الأخذ بالأسباب بقلم / وليد عماشه ..مدرس العلوم الشرعية بمعهد فتيات بهوت الإعدادى الثانوى
الاخذ بالأسباب أمر حتمى فى حقيقة التوكل على الله ، فلا يعد المرء متوكلا على الله حق التوكل إلا إذا تعاطى الأسباب التى توصله إلا غايته ، فهو مطية الوصول الى الغايات ، ومن عطل ذلك فقد خالف الشرع ، فمريم مع ما فيها وما تعانيه من الآلام أمرها الله أن تأخذ بالأسباب فقال لها وهي في أشد ضعفها، -: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا } [مريم: 25]. ألم تر أن الله قال لمريم … وهُزِّي إليكِ الجِذْعَ يَسَّاقَطِ الرُّطَبُ ولو شاء أن تجنيه مِن غيرِ هَزِّهِ … جَنَتْهُ ولكنْ كلُّ شيءٍ له سببُ كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُعِدُّ لكل أَمْرٍ عُدَّتَهُ، ويرسم له خُطَّتَهُ، كما حدث في رحلة الهجرة؛ فقد أَعَدَّ الرواحِلَ والدليلَ، واختارَ الرَّفِيقَ، وَحَدَّدَ مكانَ الاختفاء إلى أن يهدأ الطلب، وأحاط ذلك كله بسياجٍ من الكتمان، وقد أمر الله بالأخذ بالأسباب فقال تعالى وهو الذى جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا فى مناكبها وكلوا من رزقه واليه النشور ) الملك (15) ويقول تعالى ( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا فى الأرض وابتغوا من فضل الله ) الجمعة (10)وقد قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم -: “احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ”) وعن معاذ بن جبل رضى الله عنه قال ” كنت ردف النبى صلى الله عليه وسلم على حمار فقال يامعاذ تدرى ماحق الله على العباد ؟ وما حق العباد على الله ، قال: قلت: الله ورسوله أعلم قال: فإن حق الله على العباد أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا قال: قلت يارسول الله أفلا أبشر الناس قال: لا تبشرهم فيتكلوا ” متفق عليه وَمِمَّا يُوَضِّحُ أَنَّ تَعَاطِيَ الْأَسْبَابِ لَا يُنَافِي التَّوَكُّلَ عَلَى اللَّهِ قَوْلُهُ تَعَالَى عَنْ يَعْقُوبَ:{وَقَالَ يابَنِىَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ} أَمَرَهُمْ فِي هَذَا الْكَلَامِ بِتَعَاطِي السَّبَبِ،وَتَسَبَّبَ فِي ذَلِكَ بِالْأَمْر بِهِ، لِأَنَّهُ يَخَافُ عَلَيْهِمْ أَنْ تُصِيبَهُمُ النَّاسُ بِالْعَيْنِ لِأَنَّهُمْ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا أَبْنَاءُ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَهُمْ أَهْلُ جَمَالٍ وَكَمَالٍ وَبَسْطَةٍ فِي الْأَجْسَامِ، فَدُخُولُهُمْ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ مَظِنَّةٌ لِأَنْ تُصِيبَهُمُ الْعَيْنُ فَأَمَرَهُمْ بِالتَّفَرُّقِ وَالدُّخُولِ مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ تَعَاطِيًا لِلسَّبَبِ فِي السَّلَامَةِ مِنْ إِصَابَةِ الْعَيْنِ، وَمَعَ هَذَا التَّسَبُّبِ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَنْهُ: {وَقَالَ يابَنِىَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَآ أُغْنِى عَنكُمْ مِّنَ اللَّهِ مِن شَىْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} إن سنن الله في كونه وشرعه تحتم علينا الأخذ بالأسباب كما فعل ذلك أقوى الناس إيماناً بالله وقضائه وقدره وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقد قاوم الفقر بالعمل، وقاوم الجهل بالعلم، وقاوم المرضى بالعلاج، وقاوم الكفر والمعاصي بالجهاد وكان يستعيذ بالله من الهم والحزن، والعجز والكسل، وتعاطى أسباب الأكل والشرب، وادخر لأهله قوت سنة، ولم ينتظر أن ينزل عليه الرزق من السماء، وقال للذي سأله: أيعقل ناقته أم يتركها ويتوكل؟ قال: اعقلها وتوكل وقال سهل: “من قال: التوكل يكون بترك العمل، فقد طعن في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم وقيل للإمام أحمد -: ما تقول فيمن جلس في بيته ومسجده، وقال: لا أعمل شيئا حتى يأتي رزقي؟ فقال أحمد: هذا رجلُ جَهِل العلم، أما سمع قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “جُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي” ؟! قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى-: “واعلم أن تحقيق التَّوَكُّلِ لا ينافي السعي في الأسباب التي قدر الله سبحانه وتعالى المقدورات بها، وجرت سُنَّته في خلقه بذلك؛ فإن الله تعالى أمر بتعاطي الأسباب مع أمره بالتوكل، فالسعي في الأسباب بالجوارح طاعةٌ له، والتوكل بالقلب عليه إيمانٌ به” فالتوكل: هو اعتماد القلب على الله جل وعلا في حصول المطلوب. فإذا أصيب الإنسان بمرض فلا يجلس في البيت حتى يموت، ولكن كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (تداووا عباد الله! فإن الله ما أنزل داء إلا وأنزل له دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله) إلا داء واحد وهو الموت، فإنه لا دواء له، فالتداوي من الأسباب التي أمر الله بها، ويقينك بأن الشافى هو الله توكل عليه. فعلى الإنسانُ أن يراعيَ الأسبابَ الظاهرة، ولكن لا يُعَوِّل بقلبه عليها، بل يعول على الله تعالى. قال السلف: الاعتماد على الأسباب شرك بالله عز وجل، وترك الأسباب قدح في التوحيد، فلو مرض أحدنا ثم ذهب إلى الطبيب، واعتقد أن هذا العلاج هو الشافي، فهذا شرك مع الله عز وجل، إذ إن العلاج سبب لحصول الشفاء وليس هو الشفاء، أو ليس هو الشافي، لأن الشافي هو الله عز وجل. إن الصورة المُثلى التي ينبغي على المسلم تمثلها والاقتداء بها والاهتداء بهديها هي ما كان عليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم ، وصحابته الكرام رضي الله عنهم الذين تربوا على يديه صلى الله عليه وسلم في مدرسة النبوة الطيبة الطاهرة، فقد توكلوا على الله تعالى وأخذوا بالأسباب من حرث وزراعة، وتجارة وصناعة وسوى ذلك من الأسباب، والنبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم يراهم في أخذهم بالأسباب وهو راضٍ عنهم في ذلك كله،، ويسلكون هذا السبيل في الاكتساب والتعلق بالأسباب. حمى الله مصر …. شعبا ….وجيشا….وأزهرا