عزاء شهيد .. صورة قلميه رسمها : حسن الجلاد

عزاء شهيد .. صورة قلميه رسمها : حسن الجلاد

قرية مصرية ككل قرى مصر يلفها السواد ويغلفها السكون لا يقطع هذا السكون الا صوت آلات الوحدة المحلية التي ترفع القمامة في سابقة لم يراها أهل القرية من سنوات وسيارات رش المياه تقف على مدخل القرية البائسة ” قرية جلف البحرية – مركز بني مزار ” وتجمع بعض الصبية حول سيارة تركيب اللمبات الكهربائية يعجبون من سلمها المتحرك . كأن القرية تنتظر عرسا .. تتناقض تلك الصورة مع ما شهدناه داخل دروب القرية وحاراتها الضيقة …

النساء المتشحات بالسواد وأصوات عويل ترتفع كلما اقتربنا من منزل ( محمود شحاتة احمد صادق – احد ضحايا حادث سيناء الأخير – مجند بالكتيبة 101 – والحاصل على الثانوية الأزهرية ) واحد خمسة أبناء ” ثلاثة ذكور وبنتان ” لعم ( شحاتة أحمد صادق ) هم كل حصيلة عمره وكفاحه أجيرا في الأرض يزرع ويقلع ..أو متغربا في طلب لقمة العيش ، هذا الفلاح البسيط ، أولاده هم شقي عمره ، ينسج خيوطا من أحلام وآمال وكان محمود محط أمال أبيه بعدما غادر دراسته مكتفيا بالثانوية الأزهرية والذي حفظ فيه كلمات الله تعالى ودرس فيه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم – أثر أن يترك دراسته ليكون عونا لأبيه فى تربية أخوته ..

شحاتة أحمد صادق ابو الشهيد محمود

داخل مجلس العزاء المتواضع كان الأب يبدو ذاهلا تماما عما يدور حوله ليس لديه إلا كلمات يرددها كل فترة يتوجه بها إلى مجموعة من الشباب هم زملاء محمود وأترابه .. يردد الأب المكلوم هذه الكلمات : محمود مات .. ما شفتوش ؟ محمود مات .. شقي عمري مات .. ثم تنزل دموعه ويقول بحسرة : لا اله إلا الله .. لا اله إلا الله .. عمل اه عشان يقتلوه منهم لله .. لا اله إلا الله .يطأطئ الشباب رؤوسهم وتنسدل دموعهم غزيرة تعكس حزنا صادقا على رفيق عمر عاشوا أحلامه وكانوا يمنون النفس بيوم تحقيقها ..لا يختلف حال الأم كثيرا .. تردد نفس الكلمات .. تتكوم فى جنب الغرفة الضيقة المعتمة يرتفع صوتها بالعويل ثم يهدها الوجع ويأخذ صوتها بالخفوت والتلاشي حتى يتحول العويل إلى حشرجات تشبه حشرجات طلوع الروح .. ثم تردد نفس كلمات رجلها كأنها رجع الصدى له لكنها تطبع الكلمات بطابع انثوى تقول :محمود مات .. ابن بطن مات .. ضهرى أتكسر يا بنت اخوكى مات .توجهت بحثا عن سبق صحفي أو عن قصة اكتبها فوجدتني في قلب مأساة تتسامى فوق الكلمات .. مأساة أسرة فقدت شابا كان يعنى الكثير بالنسبة لها تعلق عليه أمال لغدها فقدته فجأة ودعها منذ أيام قلائل تلبية لنداء وطنه ليعود بعدها جثة محمولة على أعناق رفاق له ربما ينتظرون دورهم في الموت غيلة وغدرا وخيانة من أعداء وطنهم ..

المنسى

محمود أكثر من مجرد شاب مات لكنه كغيره من شهداء الوطن هو لأبيه ” شقي عمر ” وبالنسبة للام ” ابن بطن وشدة ضهر” أسئلة مكتومة طي الصدور تنطق بها الملامح ماذا جني محمود ورفاقه ليموتوا فى هذه السن الباكرة ؟هل من يقتل هذا الشباب مصري ؟من اى دين ومن اى ملة ؟والجميع يتفق على سؤال واحد : متى الثأر ؟

جنازة محمود شهيد ابو العباس

admin

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *