التسامح …بقلم : وليد عماشه ..مدرس العلوم الشرعية بمعهد فتيات بهوت الإعدادى الثانوى
التسامح” خلق رفيع، باتفاق الأديان، والأمم كلها ،وقيمة إنسانية، على أساسها ينبغى أن تكون علاقة الناس بعضهم ببعض فى كل مناحى حياتهم . وتعني الصفح عمن أخطأ عليك أو تجاوز حده، أو اختلف معك اختلافاً غير أخلاقي. وهو نهج إسلامي أصيل، ومعنىً أخلاقي شرعه الإسلام، وحث عليه قبل أن يعرفه الغرب الحديث. يقول الله جل وتعالى: “فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ”[الزخرف:89]، وقال سبحانه: “فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ”[الحجر:85]، وقال سبحانه وتعالى: “خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ”[الأعراف:199]، وقال عن صفة عباد الرحمن المؤمنين: “…وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا”[الفرقان:63]. ولقد عفا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ابن أبي سلول مراراً، وزاره لما مرض، وصلى عليه لما مات، ونزل على قبره، وألبسه قميصه، وهذا الرجل هو الذي آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم في عرضه يوم حادثة الإفك؛ فيقول عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أتصلي عليه وهو الذي فعل وفعل؟ فيقول النبي صلى الله عليه وسلم (يا عمر، إني خُيّرت فاخترت قد قيل لي : “اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ”، ولو أعلم أني لو زدت على السبعين غفر له لزدت) أخرجه البخاري وكثيراً ما نسمع عن التسامح في التعامل مع الأديان الأخرى ونحن نجد أن نبيّ الإسلام يقول : (ألا من ظلم معاهداً أو انتقض أو كلّفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة) أخرجه أبو داود. ومن المعلوم أن أصحاب الديانات من اليهودية والنصرانية وغيرهم عاشوا في ظل الحكم الإسلامى قروناً طويلة محفوظةً كرامتهم، مرعيةً ذممهم وعهودهم، ولم تصنع الحكومات الإسلامية معهم عبر العصور كما صنع لويس الرابع عشر الذي اعتبر البروتستانتية ديانة محرمة يعاقب عليها القانون أو يصفي أهلها، مع أن الحكومات الإسلامية كانت قادرة على ذلك. إن الإسلام ضمن حرية الاعتقاد ، ومنع الإكراه على الدين ، وقرر التسامح الديني مع سائر الأديان، ، ويظهر ذلك في المبادئ التالية: 1 – حرية الاعتقاد لغير المسلم: ((لا إِكْرَاهَ فِى الدّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّـاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انفِصَامَ لَهَا)) (البقرة:256). 2 – احترام بيوت العبادة:وما زال موقف عمر بن الخطاب عند فتح القدس وهو يخرج من كنيسة القيامة ويرفض الصلاة داخلها ، ليصلى خارجها عندما أذن وقت الصلاة وقال قولته الشهيرة ” خفت أن أصلى فى الكنيسة ، فيتخذها أناس من بعدى مسجدا ” حاضرا فى الذهن ، وأراد بذلك أن يحمى الكنيسة من أى اعتداء مفترض على هويتها. 3 – المعاملة الإنسانية من المسلم لغير المسلمين: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزور أهل الكتاب، ويكرمهم، ويحسن إليهم، ويعود مرضاهم، وسار المسلمون على سنته ونهجه طوال التاريخ .. وخير شاهد على ذلك قصة المرأة العجوز اليهودية التي ذكر أن عمرا بن العاص رضي الله عنه, هدم بيتها ليضمّه الى المسجد حيث دعت الحاجة الى ذلك, وكان قد أعطاها ثمنه كاملا, فشكت أمرها الى عمر بن الخطاب رضي الله عنه, فأرسل الى عمرو بن العاص يأمره بأن يعيد للمرأة اليهودية بيتها, فأكبرت العجوز ذلك الموقف من عمر في تسامحه العجيب, فلم يكن منها الا أن أعلنت دخولها في الاسلام, ووهبت بيتها لبيت الله. والإمام أحمد بن حنبل يقول أشهد أني قد عفوت عن المأمون، وما يضرني أن لا يعذّب أحد بسببي. يقول فولتير: ليس إنساناً كل من يعادى غيره لمخالفته في رأيه ، والتسامح كان أبداً من صفات كبار المصلحين وعظماء الإنسانية الخالدين. إن على العلماء والدعاة وأصحاب الخطاب الإسلامي أن يقوموا بإرساء قواعد هذا الخلق الإسلامي العظيم: “التسامح”، وتطبيعه بين الناس على مختلف صنوفهم وأشكالهم ، وذلك من خلال الخطب والدروس والندوات؛ وأن يكونوا أول من يطبقون هذا الخلق العظيم ليكونوا مثالا يحتذى به الجميع. وفى النهاية : فجميعنا محتاج للمسامحة ، وكثير من الناس يتألم لأخطائه الماضية ويظل يحملها ما لا طاقة لها به، فلا بد أن يكون متسامحاً مع نفسه، وقادراً على نسيان أخطائه الماضية، وبالمثل يحتاج الآخرون ، فسامح حتى تسامح. قال الماوردي رحمه الله: من حق الإخوان أن تغفر هفوتهم وتستر زلتهم؛ لأن من رام بريئًا من الهفوات، سليمًا من الزلات رام أمرًا مُعوِزًا واقترح وصفًا معجزًا. وما أحسن قول الشاعر: ومن لا يغْمِض عينَه عن صَدِيقِه … وعن بعضِ ما فيه يمت وهو عَاتِبُ ومن يتتبع جاهدًا كل عثرة … يجدْها ولا يسْلمُ له الدهْر صاحبُ حمى الله مصر …. شعبا ….وجيشا….وأزهرا