(الخواطر_العشماوية) من أعلام دولة القرآن .. نموذج المرأة المفخرة بحق!بقلم : أد / محمد إبراهيم العشماوي. أستاذ الحديث الشريف وعلومه في جامعة الأزهر
ارتقت اليوم إلى ربها – منذ قليل – سيدتنا المقرئة، الشيخة، التقية، الصالحة، العالمة، الجليلة، البصيرة، المعمرة، تناظر محمد النجولي، إحدى سيدات الإقراء في مصر والعالم، عن عمر يناهز سبعة وتسعين عاما؛ إذ هي من مواليد عام 1924، في قرية الناصرية، إحدى قرى مركز سمنود، بمحافظة الغربية، وكانت مبصرة وهي صغيرة، ثم أصيبت بالحصبة، فكف بصرها، وبقيت بصيرتها! قرأت القرآن بالقراءات من طريقي الشاطبية والدرة على شيخيها محمد أبو حلاوة والسيد عبد الجواد، وهما من شيوخ الشيخ إبراهيم السمنودي، فإسنادها عال جدا، وتزوجت وأنجبت ستة من الأولاد، ووهبت حياتها للقرآن، وتخرج بها أجيال من القراء، وتوافد عليها الطلبة من كل مكان، لنيل شرف القراءة عليها والإجازة!وقد قضت حياتها في بيت ريفي متواضع، ولم تتكسب من الإقراء، ولم تسع إلى نيل شهرة أو جاه أو صيت، على نحو ما يصنع تجار الإجازات، وعلى الرغم من أن بعض تلامذتها الذين يتبجحون بإجازتها؛ قد أثروا ثراء كبيرا من ورائها؛ إذ الإجازة من مثلها باب رزق عظيم وخير عميم، ولكن حسبها أنها عند الله من الأغنياء؛ فإن أهل القرآن – بحق – هم أهل الله وخاصته، وأهل الله أغنى الناس بالله!وكانت – على كبر سنها وشيخوختها – ترخي عليها ثيابها، حياء واحتشاما، مع أن الشرع رخص لها؛ لكونها من القواعد اللاتي لا يرجون نكاحا!وكان الله قد كساها أثواب الجلال والمهابة والنور والسكينة والوقار والقبول والحفظ والعناية والرعاية والعافية، ببركة القرآن الذي سكن عقلها وقلبها ولسانها وأذنها وسائر جوارحها!وقد حزنت كثيرا لأني لم أسمع بها إلا اليوم، يوم وفاتها، مع قرب بلدها من بلدي، وكثرة مروري عليها في الذهاب والإياب، وكنت أود لو نلت شرف تقبيل يديها ورجليها، والتمست بركة دعائها، ولكن عزائي أني أحب أهل القرآن، وأرجو أن أحشر معهم!وقد ضجت بنعيها جميع الجرائد ووسائل التواصل الاجتماعي، فور علمها بنبأ وفاتها، ولم تزل تنعاها إلى وقت كتابة هذه السطور، ينقل بعضها الخبر عن بعض! ويشهد الله أني أكتب نعيها الآن وأنا أبكي شوقا إليها، وغبطة لها على ما أنعم الله به عليها!رضي الله عنها وأرضاها، ونفعنا ببركاتها في الدارين آمين.اللهم إن أحيا غيرنا ذكر الفاسدين؛ فأحي بنا ذكر الصالحين!