( الخواطرالعشماوية ) أهل التصريف! بقلم : أد / محمد إبراهيم العشماوي. أستاذ الحديث الشريف وعلومه في جامعة الأزهر.

( الخواطرالعشماوية )                           أهل التصريف!                                     بقلم : أد / محمد إبراهيم العشماوي. أستاذ الحديث الشريف وعلومه في جامعة الأزهر.
ا . د . محمد ابراهيم العشماوى
ا . د . محمد ابراهيم العشماوى

كنت – قديما – أنكر هذا المصطلح عند السادة الصوفية، لتوهمي أن فيه ما يخدش كمال الألوهية؛ حتى رأيته بعيني – فيما لا يجوز التحديث به الآن – ثم رأيت سيدنا الشيخ الخطيب رضي الله عنه – وقد عرف عنه شدة تمسكه بظاهر الشريعة، وإنكاره كل ما يشذ عنه، كائنا ما كان، حتى أنكر على الشيخ محيي الدين بن عربي، وهو من هو! – ذكره في قصيدته العظيمة المباركة، التي سماها: (منح الواصلين لرب العالمين) ، وفيها يقول على لسان الحضرة الإلهية : وفي خلقي أصرفكم بإذني وللسلطان تصريف الرعايا! والذي أفهمه من هذا البيت أن من بين المنح الإلهية والكرامات الربانية التي أعطاها الله لعباده الصالحين؛ تصرف بعض الأولياء في الأمور الكونية؛ كتصرف السلطان في الرعية، من الإحياء والإماتة، والنفع والضر، والتحريك والتسكين، والتولية والعزل، وسائر التصرفات الكونية، لكن ذلك مشروط بأن يوافق المشيئة الإلهية، وهو المشار اليه بقوله: (بإذني)؛ لما أجمع عليه اعتقاد أهل السنة والجماعة من أنه لا يقع في ملك الله تعالى إلا ما أراد، وأنه لا فاعل على الحقيقة سواه!فصارت هذه خصوصية لهم؛ من حيث موافقة مشيئتهم لمشيئته تعالى، فنسب الفعل إليهم مجازا، وإلى المولى حقيقة! ومما يؤصل لهذا المعنى من القرآن الكريم؛ قوله تعالى: (لهم ما يشاؤون عند ربهم، ذلك جزاء المحسنين)، والعندية نوعان: عندية مكان، وعندية مكانة!بل قصة الخضر – وهو ولي في أرجح الأقوال – وتصرفه في الكونيات على وفق المشيئة الإلهية؛ من أعظم البراهين الدالة على ذلك!ومما يدل على ذلك من صحيح السنة؛ قوله صلى الله عليه وسلم، على لسان الحضرة الإلهية: (فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، وقدمه التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه)!ومعجزات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، كإحياء الميت، وإبراء الأكمه والأبرص، وانفلاق البحر، وانشقاق القمر؛ هي من جنس هذا الباب، وكل ما كان معجزة لنبي جاز أن يكون كرامة لولي، إلا ما ثبت اختصاصه بالأنبياء!وهكذا صار هذا المصطلح صحيحا في ميزان الشرع؛ إذ ليس للشرع عليه اعتراض!لكن كيف يقع التصرف من الولي؟!إما أن يكون بتوجه الهمة إلى الشيء المراد التصرف فيه، فينفعل له كيفما يريد، بإذنه تعالى، وإما أن يقع بالدعاء إليه تعالى!والمتصرفون من الأولياء أنواع، من حيث اتساع دوائر التصريف وضيقها، وعمومها وخصوصها، وإطلاقها وتقييدها، وما منهم إلا له مقام معلوم!على أن بعض الأولياء كان له تسلط روحي على بعض ولاة الأمور، فكانت الأمور تقع من السلطان الظاهر في الظاهر، وهي في الحقيقة من السلطان الباطن، كما قيل:عبيد، ولكن الملوك عبيدهم وسيدهم أضحى له الكون خادما!اللهم إن أحيا غيرنا ذكر الفاسدين؛ فأحي بنا ذكر الصالحين! #الخواطر_العشماوية_

admin

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *