بوسي الشوبكي تكتب : الثقة بالنفس سر النجاح
الثقة بالنفس سر من أسرار النجاح، ولا تأتي من فراغ، ولا يمكن تقليد الآخرين فيها، فهناك عوامل كثيرة جدا تساعد الإنسان على زيادة ثقته بنفسه، ومنها، مواجهة جميع مخاوفه الداخلية التي تحاول تثبيط همته، فيجب أن يكون لديه شعور قوي بالقدرة على النجاح فيما يريد القيام به من أعمال. إن الثقة بالنفس لا تعني حب الذات النرجسي، أو الغرور والكبرياء، لكنها شكل عميق من احترام الذات بسماتها الإيجابية والسلبية.
وللثقة بالنفس معان عديدة، فهي تعني إدراك الفرد لكفاءته ومهارته وقدرته على التعامل بفاعلية مع المواقف المختلفة التي يتعرض لها في تعاملاته اليومية. وأيضا هي إحدي سمات الشخصية الأساسية التي يبدأ تكوينها منذ الصغر، أو هي سمة شخصية يشعر بها الفرد بالكفاءة والقدرة على مواجهة الصعاب، مستخدما امكانياته وقدراته لتحقيق أهدافه. ومن خلال ما سبق يمكن القول بأن الثقة بالنفس هي مدى إدراك الفرد لكفاءته، وقدراته، ومهارته الجسمية، والعقلية، والنفسية، والاجتماعية واللغوية، وجميع جوارحه التي من خلالها يتفاعل مع المواقف المختلفة التي يتعرض لها في الحياة اليومية.
إن أهمية الثقة بالنفس للإنسان كبيرة ومفيدة جدا، فهي تعود على الفرد بالفائدة والنفع، فهي تساعده على تحقيق النجاح في العمل، وتحقيق الأهداف، ومواجهة التحديات، وتحقيق التوافق النفسي، واستمرار اكتساب الخبرة، وحب الآخرين والتكيف الاجتماعي مع الوسط المحيط سواء كان بالأسرة أو العمل أو الأصدقاء. لذا كانت الثقة بالنفس مهمة للفرد، لأنها الداعم الذي يعطي الإحساس تجاه النجاح أو الفشل، فالواثق بنفسه وقدراته، يظل لديه الأمل في أن يحقق وينجز الأهداف.
متى يفقد الإنسان ثقته بنفسه، يفقد قدرته على الحياة الناجحة وهناك عدة أسباب لفقدان الثقة بالنفس ومنها: 1- الطفولة البائسة. فعندما ينشأ الإنسان في بيئة محاطة بالخوف والقهر، يظل طيلة حياته محاصرًا بيهما، ولا يستطيع أن يخرج من دائرتهما. 2- الشعور بالنقص سبب من الأسباب، فهو إحساس داخلي يتملك الإنسان ويشعره بالقصور والنقص تجاه الآخرين، فيفقد الثقة بنفسه. 3- التركيز على الآخرين. أي: أن يربط الإنسان حياته بحياة غيره. 4- المكاسب غير الوهمية، وهي أن يشعر الإنسان بتحقيق مكاسب كثيرة نتيجة عدم الثقة، وهذا غير حقيقي، لأنه يكمن فقد في العقل الباطل للإنسان ضعيف الشخصية. 5- الصورة الذهنية. وهي الاحكام المسبقة التي يحكمها الإنسان على نفسه، كأن يحكم على نفسه بالفشل فيتحقق الفشل.
هناك أيضا معوقات تمنع الإنسان من تحقيق ثقته بنفسه فيجب عليه معرفتها لمحاولة علاجها وتخطيها، وتختلف هذه المعوقات من شخص لأخر وهي المعوقات الصحية مثل تخلف النمو، التشوهات الخلقية التي قد يولد بها الفرد، والتي تثير الشفقة تجاهه، والأصابة بالأمراض. المعوقات الوجدانية، خبرات الطفولة عدم اشباع بعض الحاجات الأساسية لدى الأطفال. والمعوقات العقلية، وهي انخفاض مستوي الذكاء وبلادة التفكير، والعجز اللغوي عدم القدرة على استخدام اللغة بطريقة صحيحة في التواصل مع الآخرين، وتفكك التفكير وعدم القدرة على الالمام بالموضوعات. المعوقات الاجتماعية، وهي إحساس الفرد بأن المجتمع النفسي الذي ينتمي إليه أرفع من المجتمع الواقعي المحيط به. والاقتصادية: هو مقارنة الفرد لوضعه الاقتصادي بغيره، واحساسه بعدم الأمان والخوف من الظروف المفاجئة، كل هذه معوقات قد تصيب الإنسان بفقدان ثقته بنفسه.
لكن مع كل هذا، يستطيع الإنسان أن يقوي ثقته بنفسه، ويعالج هذه المعوقات التي تؤثر عليه سلبًا وتجعله شخص انهزاميا ضعيف الشخصية، عديم الثقة بنفسه. من خلال أربع مراحل ، المرحلة الأولى: وهى التفكير، وتعني أن يفكر الإنسان بجميع أعضائه وجوارحه سمعيًا وبصريًا وحسيًا في المعاني التي تدل على الثقة بالنفس، كأنه يتخيل نفسه وهو يستمع لكلمات التشجيع والتحفيز بعد مواجهته لحشد كبير من الجمهور.
المرحلة الثانية: الشعور، وتعني الاستجابات الانفعالية التي تنتج عن الأفكار، وهي أقرب ما تكون لها، وعلى هذا فإن تغيير الاستجابات الانفعالية للثقة بالنفس تكون عن طريق تغيير نمط التفكير والسلوك، وتوجد علاقة قوية بين العقل والجسد، فأي تغير يحدث في العقل ينتج عنه تغير في الجسد، ثم تغيير في الانفعالات. إي: لو فكر العقل بسلبية وتعصب، ظهر على الجسد العنف، للارتباط بين العقل والجسد.
المرحلة الثالثة: القناعات. وهي أن يقتنع الفرد بالسلوكات التي تعزز الثقة بالنفس، وبالتالي تتكرر ممارسته لها، والإحساس بها وأدراكها العقل وترجمها إلي سلوك أيجابي معزز لثقة. المرحلة الرابعة: الروحية، وهي أرقى المراحل، حيث يصل إليها الإنسان الواثق بنفسه وفيها تصدر الثقة بالنفس عنه تلقائيا، وتصاحبها مشاعر السرور والانجاز.
وللثقة بالنفس مستويان الأول: مستوي مرتفع يظهر من خلال كفاءة الفرد في التصرف أثناء المواقف المختلفة في الحياة، وتمتعه بالصحة النفسية. المستوي الثاني: انخفاض مستوي الثقة بالنفس، ويظهر من خلال عدم تمكن الفرد من التصرف بكفاءة في المواقف المختلفة، مما يؤثر في صحته النفسية وتعاملاته الاجتماعية.
متى امتلك الإنسان المقومات التي تعمل على تعزيز ثقته بنفسه، وتجعل من النفس قوة لا يستهان بها، وتتمثل هذه: المقومات الجسمية والعقلية والوجدانية، والاجتماعية والاقتصادية. 1- المقوم الجسمانية: وهي أن يتمتع الشخص بالصحة الجيدة، والقدرة على مواجهة الصعاب، وخلوه من العاهات والأمراض يضمن قدرًا لا بأس به من الثقة. 2- المقومات العقلية وهي الخاصة بالذكاء، وقوة الذاكرة، والخيال. 3- المقومات الوجدانية: فهي مقوم مهم جدا من مقومات بناء الثقة بالنفس ، لأن تغييرات الحالة المزاجية وتقلبها من حالة لأخري، ومحاولة السيطرة عليها، لا يأتي إلا من فرد يتمتع بثقة بالنفس عالية، ويستطيع أن يسيطر على نفسه، ويروضها في جميع حالاتها. ومن أهم المقومات الوجدانية التي تكسب الفرد ثقتة بنفسه بعده عن الأمراض، والشكوك، والوساوس النفسية التي تؤدي إلي فقد ثقته بنفسه. 4- المقوم الاجتماعية: فالإنسان كائن اجتماعي بطبعه، لا يمكنه أن يعيش بمعزل عن المجتمع، وإذا شعر أن المجتمع يرفضه، سيفقد الثقة بنفسه وبمن حوله. ويتأثر الفرد بالمجتمع منذ الطفولة، ويشعر بمدي تقبل أسرته له ومجتمعه، ويبدأ في تكوين صورة بالإيجاب أو الرفض للمجتمع. بمعني إن العلاقات الاجتماعية تؤثر في بناء الثقة بالنفس وكلما تمكن الإنسان من تكوين علاقات اجتماعية ناجحه زادت ثقته بنفسه. 5- المقوم الاقتصادي، أن توجد علاقة طردية بين دخل الفرد وثقته بنفسه، فكلما زاد دخل الفرد، وأصبح قادرًا على تلبية احتياجاته وتحقيق كثير من رغباته كلما زادت ثقته بنفسه.
أما عن الصفات التي يتميز بها الأشخاص الواثقون بأنفسهم تتمثل بي: التفكير بطريقة إيجابية، التصرف بمهارة، ويستخدمون السلوك المناسب في الموقف المناسب، لا يشعرون بالتردد والإنسحاب تحت تأثير المشكلات التي تواجههم. يعرفوا ماذا يريدون ويحددون أهدافهم بوضوح. ولا يخافون من الاستمرار في وضع أهداف جديدة في حياتهم. يحبون ويقدرون ذاتهم ويعملون على تطويرها.
ويوجد الكثير من الأحاديث النبوية التي تشجع وترسخ الثقة بالنفس، والمنهج النبوي من أولي المناهج التربوية التي تحدثت عن الثقة بالنفس وبناء الشخصية الإيجابية الصالحة والبناءة للمجتمع . وقد كان النبي حريصًا على تعزيز ثقة أصحابه – رضي الله عنهم- بأنفسهم في كل وقت وحين ومن أمثلتها: قوله صلى الله عليه وسلم لعبدلله بن مسعود ”إنك غلام معلم ”، وأيضا قوله صلى الله عليه وسلم“ أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدها في دين الله عمر، وأصدقها حبا عثمان، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ، وأفرضهم زيد، ولكل أمه أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح. وأثرت هذه الكلمات فيهم وأصبحوا من قادة الأمة الأسلامية، رضي الله عنهم جميعا.