العقل …بقلم : وليد عماشه ..مدرس العلوم الشرعية بمعهد فتيات بهوت الإعدادى الثانوى
العقل غريزة فطرية في الإنسان يستطيع بها أن يميز بين الحق والباطل في المعتقدات، والصواب والخطأ في الأقوال والأفعال، وأخذ بهذا المعنى الإمام أحمد بن حنبل والحارس المحاسبي وابن تيمية وابن القيم وجمهور السلف على ذلك، سمى العقل بهذا الاسم لأنه يعقل صاحبه عن التورط في المهالك، ويحجزها عما لا ينبغي من اعتقاد فاسد، أو فعل قبيح . لقد خلق الله الإنسان وفضله على سائر مخلوقاته بما أودع فيه من نور العقل ؛ ليكشف به الأشياء، والحقائق الواقعة، وليفهم به عن الله ورسوله ” ولينظر من خلاله في ملكوت السموات والأرض، وليدرك به أسرار الكون، ويتدبر في نفسه وآيات الله من حوله، ويصل من خلاله إلى كثير من أمور الاعتقاد في حدود طاقته، ويبحث من طريقه إلى ما يعود عليه بالنفع في دينه ودنياه. بل جعل للعقل دوره الفعال فى الإيمان بالله حيث ربط الإيمان برباط العقل ، فجعله مناط التكليف والأهلية، وكرّمه حين وجّهه إلى النّظر والتفكّر في النّفس والكون اتّعاظاً واعتباراً، وكرّمه حين أمسكه عن الولوج فيما لا يحسنه ولا يهتدي فيه إلى سبيل؛ يقول تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)} الإسراء: ، وبيان الآية أن الله سبحانه عدّد على بني آدم ما خصّهم به من المزايا من بين سائر المخلوقات، ومن أفضل ما أكرم به الآدمي العقل الذي به يعرف الله تعالى ويفهم كلامه ويوصل إلى نعمه. ومن هنا جاءت أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- ترفع القلم -أي: التكليف والمؤاخذة عمن فقدوا مناط التكليف وهو العقل، بسبب الجنون أو ما يأخذ حكمه، فقال صلى الله عليه وسلم: “رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم”. وفي لفظ آخر: “وعن المعتوه حتى يعقل” ويطلق “العقل”ويراد به:- 1- القوة الفطرية التي أودعها الله تعالى في الإنسان، وخلقه عليها متهيئا بسببها لقبول العلم، وهذا هو محل التكليف ومناط الأمر والنهي، وبه يكون التمييز والتدبير, وهو العقل الفطري الغريزي. 2- العلم الذي يستفيده الإنسان بتلك القوة الفطرية، وهذا هو العقل المستفاد، وإليه الإشارة في القرآن الكريم في كل موضع ذمّ الله تعالى فيه الكفار بعدم العقل، كقوله تعالى: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [البقرة: 171] . وللعقل علاقة وثيقة بالوحى فكلا منهما وسيلة أو أداة من أدوات المعرفة ، غير أن العقل للمشاهدة ، والوحى لعالم الغيب. وظيفة العقل: إن لكل عضو وظيفة، ووظيفة العقل، تتمثل فيما يلى:- 1- بالعقل يتلقى الإنسان ويفهم أوامر الله تعالى ونواهيه. 2- التأمل والنظر والتفكير، وإذا تعطلت هذه القوى بطل عمل العقل. 3- إدراك ما يقع له من مظاهر الوجود. وتعطيل العقل عن وظيفته يهبط بالإنسان إلى مستوى أقل من مستوى الحيوان، قيمة العقل في الإسلام: وللعقل قيمة عالية فى الإسلام وخير شاهد على ذلك الآيات القرآنية الكريمة التي تنزلت بشأنه. وينبئك عن هذا أن مشتقات كلمة “العقل” تكررت في القرآن الكريم حوالي سبعين مرة. وأما الآيات التي تتصل بالعمليات العقلية وتحث على النظر والتفكر والتدبر والتبصر في آيات الله في الأنفس والآفاق، فقد بلغت من الكثرة حدا أعطى الإسلام ميزة بين كل المذاهب والشرائع. يقول الأستاذ عباس محمود العقاد: “والقرآن الكريم لا يذكر العقل إلا في مقام التعظيم والتنبيه إلى وجوب العمل به والرجوع إليه. ولا تأتي الإشارة إليه عارضة ولا مقتضبة في سياق الآية، بل هي تأتي في كل موضع من مواضعها مؤكدة جازمة باللفظ والدلالة، وتتكرر في كل معرض من معارض الأمر والنهي التي يحث فيها المؤمن على تحكيم عقله، أو يلام فيها المنكر على إهمال عقله وقبول الحجر عليه”. فالعقل هو هبة الله العظمى ومنحته لهذا الإنسان، به أكرمه وميزه على سائر المخلوقات، فأعطاه المفتاح الذي يفتح به أبواب الملكوت ويدخل ساحة الإيمان بالله الذي سخّر للإنسان كل ما في السموات والأرض. ولذلك امتن الله تعالى على الناس بهذا العقل، وجعله موضوع المسئولية، فقال: {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} [الملك: 23] . {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا} [الإسراء: 36] . يقول بعض السلف: “العقل حجة الله على جميع الخلق”. يقول الحسن البصري: العقل: الذي يهدي إلى الجنة، ويحمي من النار، أما سمعت قوله تعالى حكاية عن أهل النار: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ}. قَالَ عُمَرُ: «حَسَبُ الْمَرْءِ دِينُهُ، وَمُرُوءَتُهُ خُلُقُهُ، وَأَصْلُهُ عَقْلُهُ» . عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: «قِوَامُ الْمَرْءِ عَقْلُهُ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَقْلَ لَهُ» وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ لِأَخٍ لَهُ: «يَا أَخِي عَقْلُكَ لَا يَتَّسِعُ لِكُلِّ شَيْءٍ فَفَرِّغْهُ لَأَوَّلِ الْمُهِمِّ مِنْ أَمْرِكَ، وَكَرَامَتُكَ لَا تَسَعُ النَّاسَ فَخُصَّ بِهَا أَوْلَى النَّاسِ بِكَ، وَلَيْلُكَ وَنَهَارُكَ لَا يَسْتَوْعِبَانِ حَوَائِجَكَ فَأَسْقِطْ عَنْكَ مَا لَكَ مِنْهُ بُدٌّ، وَلَيْسَ مِنَ الْعَقْلِ أَنْ تَذَرَ مِنَ الْخَيْرِ مَا لَابُدَّ مِنْهُ، وَلَا تَمْدَحْ مَنْ لَمْ تُخْبَرْ إِحْسَانُهُ» . و” كَلَّمَ رَجُلٌ رَجُلًا مِنَ الْمُلُوكِ فَلَايَنَهُ ثُمَّ أَغْلَظَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا لَكَ لَمْ تُكَلِّمْنِي بِهَذَا أَوَّلًا؟، قَالَ: لَمَّا كَلَّمْتُكَ رَأَيْتُ لَكَ عَقْلًا فَعَلِمْتُ أَنَّ عَقْلَكَ لَا يَتْرُكُكَ تَظْلِمُنِي ” حمى الله مصر …. شعبا ….وجيشا….وأزهرا