الدكتور أشرف عطية.. يكتب / النمو الاقتصادي المعاصر
بقلم / الدكتور أشرف عطية رئيس مجلس إدارة مجموعة أوميجا جيت
في الماضي القريب كانت مصادر النمو الاقتصادي لكثيرمن الدول تعتمد على الموارد الطبيعية والموارد البشرية وتكوين رأس المال والتطور التقني وطبيعة البنية المؤسسية في الدولة. أما الان فقد تغير ترتيب مصادر النمو الاقتصادي للدول حيث تصدر المشهد الفكر والابداع والتكنولوجيا العميقة والذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة والدمج بينهما لجميع ركائز واركان ومكونات الثورة الصناعية الرابعة ، ثم يأتي باقي مصادر النمو .
ويعني النمو الاقتصادي هوالتحسن المستمر في قدرة الاقتصاد على تلبية طلبات المواطنين من السلع والخدمات لتحقيق حياة كريمة تصل الى الرفاهية في بعض الدول . وهذا التحسن يعتمد على زيادة الإنتاج و مصادر النمو، وهناك أكثر من تصور للنمو الاقتصادي وطرق قياسه ، فغالبا يقصد بكلمة النمو هو زيادة حجم الاقتصاد سنويا وفقا لمقاييس المنظمات الدولية معتمدة على معيار الناتج المحلي الاجمالي لكل دولة ، بغض النظر عن أسباب هذه الزيادة. ولا يعني ذلك غض النظر عن الوصف والأسباب، ولكن بحث هذه الأمور يأتي ضمن التعرف على قدرة الاقتصاد الإنتاجية وعلى المدى البعيد في تحقيق النمو. ويقاس النمو بمعناه الأولي بطريقتين، أذكرهما دون تفاصيل:
أولا : طريقة الطلب وتعني مجموع الإنفاق على السلع والخدمات المشتراة في الدولة . وثانيا : طريقة العرض وتعني مجموع السلع والخدمات المنتجة لهذه الدولة . وإذا أخذنا الاقتصاد السعودي على سبيل المثال للنمو الاقتصادي المعتمد على الموارد الطبيعية ، فمعروف أن الاقتصاد السعودي حدث له نمو مستمر وكبير خلال السنوات الماضية ، من شبه عدم ومن دون تاريخ اقتصادي او انتاجي او حتى تجاري يذكر ، فقد كان البناء الاقتصادي بدائيا للغاية . لكن الإنفاق الحكومي المعتمد على إيرادات النفط كان المحرك لهذا التطور والنمو خلال عقود من الزمن القريب ومازال .
وقد أجريت عدة دراسات عن فترات وأوضحت أن كثافة الصادرات من المواد الأولية للنفط مهما كان حجمه او قيمته يضعف النمو الاقتصادي . ومن ثم فالتحدي هنا أن تتحرك وتنمو عوامل الإنتاج بمعزل أو باعتماد ضعيف على دخل النفط او الموارد الطبيعية بشكل عام . ولا تقتصر الموارد الطبيعية على ثروات من قبيل النفط وغيره من المعادن، بل المعنى أعم فيشمل كل مورد لم يصنعه أصلا الإنسان ، ومنها الأرض وخصائصها وما فيها من موارد طبيعية. وتوافر الموارد الطبيعية لذاته ، لا يضمن طبعا تحقيق نمو اقتصادي مستمر.
والجدير بالذكر أن ثلاثة عناصر تحدد مساهمة الموارد البشرية في النمو وهي : ( عددهم ومهاراتهم وأداؤهم ) . وكل عامل يساعد على تحسين هذه العناصر فهو تلقائيا يساعد على نمو الاقتصاد.
أما تكوين رأس المال فيشمل كل بنية رأسمالية من بناء وتطوير المدن الصناعية والطرق ومحطات الكهرباء والبنية التحتية على سبيل المثال. ولكي يتم بناء وتكوين رأس المال يتطلب ذلك تخصيص جزء كبير من الموارد لاستخدامها في بناء رأسمالي بدلا من الانفاق الاستهلاكي . ولذا يلاحظ أن الدول التي تحقق نموا قويا تخصص جزءا كبيرا من مواردها وإنتاجها للاستثمار بغرض زيادة تكوين رأس المال . والعكس يؤدي إلى ضعف الانتاجية وزيادة البطالة وازدياد معدل الجريمة والامراض السلوكية والاجتماعية . أي أن قلة ما يخصص للاستثمار يضعف النمو الاقتصادي .
أما أهم عناصرالنمو الاقتصاد فهو التغير والتطور التقني والتكنولوجي ومواكبة الثورة الصناعية الرابعة والتي جعلت كثيرا من الدول على قمة الاقتصاد العالمي مثل أمريكا والصين والمانيا واليابان وانجلترا .
ويأتي عنصر البنية المؤسسية فهي تعني طبيعة بناء الدولة ومدى استقرار نظامها السياسي وطبيعة وجودة إدارتها الحكومية وأنظمتها وتنظيماتها والتطوير المؤسسي والحوكمة ونحو ذلك.
لذا فإن المحرك الأن ليس الموارد الطبيعية في المرتبة الاولى بل الفكر والابداع والعلم وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتي تشمل تطبيق الذكاء الاصطناعي والتقنيات الأخرى الحديثة والتي تم توضيحها في مقالات الثورة الصناعية الرابعة من قبل لكل جوانب الحياة الصناعية والخدمية . فهي عوامل الإنتاج والتي تساعد على تكوين رأسمالي للدولة بشكل كبير وتحسن ملحوظ في حياة المواطنين .
ولتوضيح وتسهيل الرؤية فإن الانتاجية الآن تعتمد على مدى كفاءة وحسن الاستفادة من الموارد البشرية واقتصاد الوفرة من البيانات والمعلومات والتي تمثل قاطرة الاقتصاد العالمي الآن . والانتاجية لها طرق تقاس بها في البحوث والدراسات ومتعارف عليها دوليا ، وانطلاقا من وجود مشكلة ضعف نسبي في الإنتاجية ، فإن السؤال التالي كيف نحسنها ؟
حيث ان أدوات ووسائل التحسين كثيرة ، أذكر منها عناوين على سبيل المثال وليس الحصر :
1 – إصلاح وتطوير منظومة التعليم والتدريب بما يؤدي إلى رفع مهارات وإنتاجية الخريجين
2 – الاهتمام بالبحث العلمي التطبيقي ونشر الابحاث بما يواكب آليات وتكنولوجيا العصر .
3 – تحسين آداء المنظومة الصحية الشاملة لكل المواطنين .
4 – القضاء النافذ والناجز والعادل .
5 ــ مكافحة الفساد الاداري بكل اشكاله .
6 ــ تحسين أنظمة وسياسات وبرامج الخدمة المدنية بما يحسن الأداء والإنتاجية
7 ــ الخصخصة بشرط وجود إطار حوكمة قوي في العمليات ذات الطابع التجاري التي تدار حكوميا في الوقت الحاضر وسن التشريعات والقوانين التي تنظم العلاقة بين الملاك والادارة والعمال والمواطنين والدولة .
8 – العمل على تحسين السياسات المالية والنقدية .
9 ــ تحسين وتطوير مناخ جذب وزيادة الاستثمارات وممارسة الأعمال بصورة عامة .
10 – الاهتمام والدعم وتحسين البيئة الاقتصادية لريادة الاعمال والفكر والابداع .
11 – مكافحة الاحتكار وفرض حرية السوق على النشاط التجاري الداخلي .
12 – توطين الصناعات التكنولوجية .
13 – اسناد مشروعات التطوير المؤسسي والتحول الرقمي لشركات محلية واتباع مبدأ المنافسات العامة بعيدا عن الاسناد المباشر لتلك المشروعات .
14 ــ مدى جودة الاجراءات والاداء والمؤسسات الحكومية ومدى قناعة المواطنين بذلك.
15 – العمل على زيادة التنسيق والتعاون بين أجهزة الدولة في تطوير وتطبيق برامجها وأهدافها لتحقيق الاهداف والاستراتيجيات العامة للدولة لتحقيق النمو الحقيقي المطلوب .
16 – التوسع و تطوير المدن الصناعية والتكنولوجية .
17 – زيادة الاهتمام بالتدريب المعاصر ليكون مخرجات هذا التدريب محاكي لما يحدث من تطور عالمي في مجالات التكنولوجيا والعلوم والهندسة والفيزياء والصحة والخدمات اللوجيستية
18 – العمل على بناءالقيم الدينية والاجتماعية والسلوكية والاخلاقية والمدنية والثقافية للمجتمع.
19 – تفعيل دور المجالس النيابية لأنشطة المهام التشريعية والرقابية ومناقشة الموازنات والميزانيات لما يخدم أجهزة ومؤسسات الدولة والنمو والتطور الاقتصادي
20 – فصل السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية .
21 – حرية الرأي المنضبط برؤية الحيادية والنزاهة والشفافية لتحقق النمو الاقتصادي .
22 – إسناد المهام التشريعية والقضائية والتنفيذية والرقابية الى المؤهلين علميا وعمليا وخاصة من لهم تجارب وخبرة كل في مجاله .
وتمثل تلك العناصر وبعض العناصر الاخرى التي تتناسب جيوسياسيا مع كل دولة أهمية كبيرة في تفسير التغيرات والفروق في الأداء الاقتصادي بين الدول . لذا علينا ان نعمل جاهدين وبأسرع وقت على تلك العناصر والتي تمثل الركائز الهامة للنمو والتطور الاقتصادي والذي سيعود على وطننا الحبيب بالخير الكثير ومن ثم على المواطنين في التحسين المستمر لجودة الحياة .
خالص تحياتي
د / أشرف عطيه