أنور ابو الخير يكتب : المتسلقون وكذابين الزفة
يأكلون مع كل ذئب ويبكون مع كل راع نعيش هذه الأيام حالة تاريخية من انكشاف وتعري مجموعة من الذين أكدوا لنا لكي لا أقول فاجأونا بأنهم أساتذة يجيدون فن الأكل على كل الموائد وساعد في إظهارهم تلك الصراعات التي تدور حول تنافس بعض الأشخاص على مناصب قيادية خدمية في أن يضيق هامش مراوغتهم وتلونهم حتى أُجبروا وكانوا ملزمين بأن يخرجوا من مناطقهم الرمادية وينكشف قبحهم وتنكرهم لمواقفهم السابقة التي أوهموا بها البعض بأنهم يحملون رائحة من الأخلاق كلما كبر حجم الأزمة كلما كان نهشهم وشرهم أكبر
الحاضرون على كل الموائد يتكاثرون بشكل لافت خصوصا في الأزمات فكلما كبر حجم الأزمة كلما كان نهمهم وشرههم أكبر هؤلاء مصابون بالمجاعة وهم شبعى لا يقودهم العقل وإنما البطن الجشع وليس لهم علاقة لا من بعيد ولا من قريب بالأخلاق، بل إن هذه الكلمة محذوفة من قواميسهم الى الأبد يعيشون على الباطل ويكرهون الحق كرها شديدا
كما أن خطابهم مزدوج فلا يتورعون أن يقولوا اليوم شيئًا وغدًا يقسمون بنقيضه الآكلون على كل الموائد طفيليون يحضرون ويتقدمون ويتحدثون ويتنادون حتى لو لم ينادهم أحد ليدلوا بدلوهم هم كائنات حيّة تعيش على الباطل وتكره الحق كرهًا شديدًا ولا تريد حتى أن تراه موائدهم الأكاذيب والدعايات المغرضة ولا يسقى ظمأهم الا المستنقعات الآسنة يهتفون لأشخاص وفي نفس اللحظة يلعنونهم لعنكم الله بما تفعلون ألم تسألوا أنفسكم ولو مرة أن اللحظة التي تهتفون فيها لأشخاص كنتم تلعنونهم منذ أيام وتلعنون أشخاص كنتم تهتفون لهم منذ لحظات أن تكون هذه هي لحظتكم الأخيرة في هذه الدنيا وأنكم في ثواني معدودة من الممكن أن تقفوا بين يد الرحمن عز وجل لتسألوا عن أعمالكم فماذا أنتم فاعلون فمن منغصات حياتنا أن يبتلى المرءُ فيها بمعاشرة أصناف سيئة من الناس يتلوَّنون كالحرباء ويتصفون بكل صفات الخيانة والغدروالمكر والخداع إذاأقبل عليك حسبته من خيرة الناس وإذا خرج من عندك تناولك بلسانه ولم يترك فيك حسنة إلا قبحها ولا خصلة حميدة إلا قلبها فهؤلاء القوم يجيدون الأكل على كل الموائد و يتظاهرون بالصدق والطيبة والتفاني والإخلاص ويدعون الفضيلة والقرب من الله تعالى ويزعمون أنهم من أهل الفضل والتقوى والصلاح ويدعون أنهم يقدمون المصلحة العامة على مصالحهم الشخصية ويتظاهرون بما ليس فيهم ويقولون مالا يفعلون ويعظمون أعمالهم وإنجازاتهم ولو كانت قليلة وغير مهمة ويفتخرون كثيرا ببراعتهم ويمتدحون أنفسهم وينسبون لها كل الفضل ويمجدونها بأعمال لم يؤدوها ولم يقوموا بها أو ربما شاركوا فيها بما لايذكر من الجهد
الحلال ما حل في أيديهم ولو حل في أيدي غيرهم شيء من الحلال ولو يسير حرموه يتسلقون بكل الوسائل للوصل إلى بغيتهم لا يأبهون بقبيح أعمالهم انتزع الحياء من وجوههم يسارعون في حرمان كل خير لغيرهم بكل وسيلة شيطانية وهذه الفئة من الناس تمتلك قدرة فائقة على التشكل والتلون بحسب الظروف والأحوال وكل غايتهم الوصول إلى القمة ولو على حساب شقاء ومعاناة الآخرين
و امتصاص دمائهم وأكل عرقهم والصعود على أكتافهم والغريب أنهم لا يخجلون من أنفسهم ولا يشعرون مطلقاً بأي إحساس بالذنب ويوحون دائما لرؤسائهم أو لأرباب العمل وأصحاب الشركات والمؤسسات التي يعملون فيها أنهم الأفضل والأجدر
ولا يدخرون جهدا ولا وسعا لإظهار أنفسهم بأنهم الأكثر كفاية والأجدر بالثقة وهم يكذبون وينافقون ويراوغون ودائما ما يخدعون الأشخاص الطيبين أصحاب النوايا الحسنة ويستخدمونهم مطية للوصول إلى هدفهم وتحقيق مصالحهم وكثيرا ما يستخدمون غيرهم أداة في أيديهم للطعن في خصومهم وأداة طيعة تصنع لهم المجد الزائف ولو كان على حساب تلويث سمعة الآخرين فضلا عن أكل حقوقهم وذلك لأن ذممهم خربة وضمائرهم ميتة ولا يقتصر خطر هؤلاء على ظلم زملائهم في العمل وأكل حقوقهم المادية أو المعنوية بل يمتد شرهم للمجتمع كله حيث يحرمونه من ذوي القدرات وأصحاب الكفايات المتميزة القادرة على صنع النهضة وتطوير مسيرة المجتمع الحضارية في شتى المجالات وفقا لخطط رشيدة مدروسة تواكب أحدث منجزات العصر العلمية والتقنية وتراهم يغلبون مصالحهم الشخصية على مصالح الوطن الذي ائتمنهم عليها ولي الأمر ولا غرابة إذن حينما نرى ضعفاً ونقصاً كبيراً هنا أو قصوراً فاضحاً هناك في هذا المجال أو ذاك كضعف مخرجات تعليم مثلا أو قلة جودة منتج أو سلعة وغيرها من الأمور التي تهم الوطن والمواطن الكريم ويعزو الخبراء والباحثون تخلف المجتمعات البشرية إلى عوامل عدة من أهمها انتشار فئة المتسلقين الوصوليين هؤلاء الذين يستغلون الفرص ويتسللون إلى المناصب التي لا يستحقونها لأنهم لم يصلوا إليها بجهدهم وعرقهم وكفاحهم بل عن طريق الوشاية بزملائهم وامتصاص دمائهم واستغلال قربهم من رؤسائهم وأرباب العمل أو متخذي القرارات في التنكيل بخصومهم وإبعادهم عن الأضواء وهؤلاء الناس أذكياء ولبقون يجيدون المحاورة وربما كانوا حتى مرحين خفيفي الظل كذلك لكنهم خبثاء ماكرون ومنافقون كثيرو الكذب وكلامهم المعسول مليء بالخبث والمكر والدهاء وهم أصحاب نفوس مريضة وشخصياتهم مليئة بالنقائص والتناقضات فإذا قالوا شيئا عملوا ضده فهم مثلا يزعمون محاربة الفساد لكنهم في الحقيقة صانعوه ويحرصون كل الحرص على الاقتراب من أصحاب النفوذ والسطوة والجاه والمال ويصلون من خلالهم لمكانة غير مكانتهم ويتخطون الأنظمة ويستخدمون الوسائل المشروعة وغير المشروعة للوصول إلى أهدافهم وأغلب هؤلاء الوصوليين حاقدون حاسدون انتهازيون يستغلون حاجة الناس ويأكلون عرق الكادحين
ومؤسف حقاً أن ينخدع الناس لهؤلاء الأفَّاقين ومحزن جداً أن يثق الصالحون الطيبون فيهم ويصغون إليهم ويسمعون كلامهم ويأخذون بمشورتهم ونصحهم دون معرفة حقيقة سوء طِباعهم وخبثِ طويتهم فكأنما يتجرع المرء بذلك سما زعافاً دون أن يشعر لأنه غفل عن فساد هؤلاء المتسلقين وما جبلت عليه نفوسهم من المكر والخيانة والغدر وانساق وراء معسول كلامهم وانخدع به فلبئس هؤلاء المتسلقون ولبئس ما كانوا يصنعون فهم في الحقيقة يضرون المجتمع ويعيثون في الأرض الفساد من خلال الوقيعة بين الناس وتسميم الأجواء الاجتماعية وتلويث الهواء الذي نتنفسه بكذبهم ورجسهم وافترائهم على الآخرين وكم يضيع هؤلاء على مجتمعاتهم من الأوقات وكم يهدرون من الطاقات وكم يبددون من الإمكانات وكم يعيقون بأفعالهم الأنانية وطنهم ويمنعونه من النهوض والتقدم والرقي لأنهم يفوتون الفرصة عليه بحرمانه من أبنائه النابهين المخلصين ومن حسن حظ هذا الوطن الغالي أن حباه الله تعالى بحكم رشيد وولاة أمر صالحين صادقين مخلصين ولانزكيهم على الله والله تعالى حسيبنا وحسيبهم يتقون الله تعالى في رعيتهم ويواصلون الليل بالنهار حفاظا على أمن وأمان هذا الوطن وحرصاً على مصلحة أبنائه ورخاء وازدهار حياتهم وقد وضع ولي الأمر حفظه الله تعالى هيئة مستقلة لحماية الشفافية ومحاربة الفساد وأقول إن من أخطر أنواع الفساد التي نعانيها في مجتمعنا الفساد الإداري ووجود أمثال هؤلاء المتسلقين الذين يفسدون في دوائرنا الحكومية ومؤسساتنا المختلفة التعليمية والصحيةوالصناعية وغيرها فهم بفسادهم يعيقون عجلة التقدم و يحجبون الخيرعن المجتمع ويصعبون الأمور على المواطنين فضلا عن أنهم يأخذون حقوق غيرهم وينشرون ثقافة الفساد والإفساد بين الناس فيتسع مع الوقت خطرهم ويزداد ضررهم ومن الواجب على شرفاء هذا الوطن وهم كثر بل هم الأصل والغالبية ولله الحمد والمنة من الواجب عليهم محاصرة هؤلاء المتسلقين وكشف خطرهم وفضح وسائلهم لحماية المجتمع منهم ومن أضرارهم كما يجب عزلهم اجتماعيا ووظيفيا وعلاجهم كما يعالج مدمن المخدرات وغيره وإلى الله المشتكى والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون
فالأزمة الحالية ساعدت وأسهمت على أن يضيق هامش مراوغتهم وتلونهم فبفضل هذه الأزمة أُجبروا وكانوا ملزمين بأن يخرجوا من مناطقهم الرمادية وينكشف قبحهم وتنكرهم لمواقفهم السابقة التي أوهموا بها البعض بأنهم يحملون رائحة من الأخلاق لقد انتهت صلاحية مثل (كلب ينبح لك ولا كلب ينبح عليك) فكلهم في النفاق سواء ولا يمكن أن يعيد التاريخ نفسه في أن نبتاع الوهم والولاء المزيف انه زمن قبول واستيعاب النقدوالاختلاف من أية جهة كانت شريطة أن يرتكز هذا النقد وهذا الاختلاف على مفاهيم المصداقية والاحترام المتبادل