حوار| لينا مرواني تتحدث عن رحلتها للعودة للجذور

حوار| لينا مرواني تتحدث عن رحلتها للعودة للجذور

كتب إبراهيم أحمد 

“أن تنسج من المهجر أوطاناً متعددة بينما نُنقِّب عن وطنك الأم بهوية متداخلة وتجارب مُفعمة بالتنوع” … هكذا بدت رحلة لينا مرواني، الكاتبة والباحثة التشيلية التي ولدت في سانتيجو لوالدين من أصول فلسطينية. وقد هاجر أجداد لينا من فلسطين والشام عام 1915 إلى تشيلي مع العديد من المهاجرين هرباً من تعسف الحكم العثماني وقتها. لم تسمِ لينا رحلتها إلى أرض جذورها التي لم تكن قد رأتها بعد “زيارة” بل وجدت نفسها تسمي رحلة البحث هذه “عودة … عودة إلى فلسطين”. 

طرحنا على لينا بعض الأسئلة خلال مقابلة على هامش ندوة بعنوان “تواصل عالمين: الهجرة العربية لأمريكا اللاتينية” التي عُقدت بتنظيم مشترك بين المركز الثقافي الإسباني وسفارة دولة تشيلي في مصر، الثلاثاء 14 مارس الجاري، وقد شهدت حضوراً دبلوماسياً وجماهيرياً بارزاً. 

إليكم الحوار،

تميزت العديد من كتابتك بطابعٍ ذاتي يعكس تجربتك الخاصة، كيف تنظرين إلى “الكتابة الذاتية” كآلية لتوثيق التراث الإنساني؟

يبدع الكتاب، ويرصدون الواقع، ويُدوِّنون الخيال بطرق مختلفة، وقد ألفت كتباً تعكس تجارب ذاتية وكتباً ليست كذلك. فيما يتعلق بكتاب “أن تعودي فلسطين”، اخترتُ الكتابة الذاتية لأن الكتاب يوثق جزءًا من رحلة بحث أخوضها بنفسي، إنني أعيش هذه التجربة وأنقلها بلسان حالي كدعوة للقراء لعيش هذه التجربة معي. 

كما أردت أن يجد العمل أصداءً ذاتية لدى القراء، وأن يختبرون هذه التجربة من منظور وحس شخصيين، لا كسرد مجرد، وهو ما يدفع بتكوين صور إنسانية عن الصراع وتجربة الأفراد داخله وخارجه، من منظور مختلف عن ذاك الذي يُصوِّره الإعلام.

كيف تجدين هذه الرحلة من منظور نسوي؟

إن تجارب النساء وخوضهن الصراعات، والسفر، والترحال، والاغتراب، تختلف اختلافاً هائلاً عنها لدى الرجال. فنحن النساء مُدربات على التأهب للخطر، نُربَّى على أن الحديث إلى الغرباء قد يحمل مخاطرة، ونواجه تحديات لا يجدها الرجال في نفس الظروف، إذ لا يُدرب الرجال أنفسهم غالباً على مراقبة محيطهم تفادياً للخطر، وقد لا يقلقون بشأن ما إذا كان يُفرض مَلبسٌ ما أو غيره عليهم، أو بشأن نظرة غير ملائمة، وما إلى ذلك. لذا فالنساء بوجه عام، والكاتبات المعنيات بأدب السفر يلعبن على أوتار العديد من الصعوبات، وقد اختبرت هذه الصعوبات في تجربة الترحال بين “ما يُدعى غرباً، وما يُدعى شرقاً”.

حاولتِ إحياء جذورك الشخصية رغم مسافة زمنية وثقافية تفصلك عنها، ورغم عقبة أساسية كحاجز اللغة، كيف تغلبت على حاجزٍ كهذا؟ 

بالطبع، يمثل اختلاف اللغة تحدياً، إلا أن ثمة جانب مثير للاهتمام في كون اللغة حاجزاً بينما تبحثين عن إجابات، إذ تدركين أنك تقولين أقل مما تودين قوله، وتفهمين مما تسمعينه أقل مما يُقال بالفعل، لذا يتعين عليك البحث عما هو وراء المنطوق؛ وتراقبين عن كثب الحركة، والإيماءة، ولغة الجسد، ونظرات المتحدث.

ومن ثم، أرى أن تحدي اللغة في حد ذاته ربما يكون بطلاً من أبطال القصة وباعثاً على البحث عما هو أعمق.

كيف كانت رحلاتك لاكتشاف جذورك الشخصية بفلسطين.

زُرت فلسطين ثلاث مرات، أضافت كلٌ منها إلى تجربتي المزيد والمزيد. لم أكن مُستعدة لهذا الزخم في العودة الأولى التي بدأت بزيارة صديقٍ هناك، واتجهت لاستكشاف فلسطين لأول مرة، ثم عُدت مجدداً ضمن فريق من الأجانب يعمل في إطار جهود إنسانية مستقلة غير سياسية، وأثرى ذلك رؤيتي لمنظور الأجانب للأزمة والصراع ومعايشتهم للتجربة. في الزيارة الثالثة، كنت بصحبة سفارة تشيلي في فلسطين، وكنت دائماً محاطة بالحماية خلال الزيارة بطبيعة الحال (في سيارة السفارة)، واتخذت الزيارة منحى سياسي؛ إذ زرت القصر الرئاسي ومتحف عرفات الذي لم أكن أعرف أنه موجود بالأساس – إلا أنني أخشى من الزجّ بي في استخدام سياسي من خلال الزيارات ذات الطابع الرسمي والسياسي.

كيف أثر تعدد الثقافات التي عايشتِها على تكوينك، وأي الثقافات تجدينها أكثر ترحيباً؟

تقول لينا التي سجلت عدداً من تجاربها، ومشاهداتها ببلدان مختلفة؛ من بينها تشيلي، والولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، ومصر، والمغرب، وفلسطين، وإسرائيل، في مؤلفاتها؛ لا سيما “أن تعودي فلسطين”، إن الثقافات التي عايشتها كانت شديدة الاختلاف عن بعضها البعض، فبينما وجدت نسقاً مشتركاً إلى حدِ ما بين تشيلي وإسبانيا، حيث تولي الثقافتين للعائلة، على سبيل المثال، اهتماماً كبيراً، كان النقيض أحياناً شائعاً في بعض أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية وشمال أوروبا على سبيل المثال. 

تُثري هذه الثقافات المتعددة التجارب، وبالنسبة لي، كان من السهل الاندماج مع الثقافات المتعددة والسياقات المختلفة، وملامحي سهّلت الاندماج. وأرى أن الثقافة العربية من أكثر الثقافات ترحيباً.

كنتِ من الجيل الثاني من المهاجرين الفلسطينيين في تشيلي، هل تعتقدين أن الأجيال اللاحقة؛ تحمل ذات الشغف نحو جذورها؟

هناك مسافة زمنية وثقافية كبيرة بين الأجيال الأحدث في المهجر والجذور في الوطن الأم، إلا أنني أجد شغف المهاجرين إزاء إيجاد الإجابات عن جذورهم، وأماكنها، وثقافاتها، ولغاتها متزايداً – وهذا لا ينطبق على الفلسطينيين المهاجرين أو ذوي الجذور العربية وحدهم، بل بوجه عام. صار الناس أكثر قدرة على السفر، لا سيما في أمريكا اللاتينية، وهو ما يتيح لهم فرصة خوض رحلات الاكتشاف هذه، كما أن وسائل انتقال وتبادل المعلومات تلعب دوراً كبيراً؛ إذ أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي مُنافسة لوسائل الإعلام. وهو ما يحمل ميزة وعيباً في الوقت نفسه؛ فلكلِ منها قصورٍ؛ إذ قد تمارس وسائل الإعلام بعض أشكال التضليل، وثمة أشكال أخرى من محاولات التشويش على الهويات يجب الحذر منها عند استقاء المعلومات من وسائل التواصل الاجتماعي.

عن لينا مرواني

كاتبة وباحثة تشليلية من أصول فلسطينية، ولدت عام 1970. بدأت حياتها كصحفية وكاتبة قصص، وحصلت على درجة الدكتوراه في أدب دول أمريكا الناطقة بالإسبانية من جامعة نيويورك، حيث تلقي حالياً محاضرات في أدب أمريكا اللاتينية وثقافتها، وفي الكتابة الإبداعية.

أنتجت لينا مرواني العديد من المؤلفات البارزة؛ فمن بين أعمالها ذات طابع الكتابة الذاتية كتاب “أن تعودي فلسطين”، المترجم إلى الإنجليزية والعربية، وعلى مستوى الرواية، ألفت مرواني “بعد الوفاة”، و”دماء في العين” –مترجمة إلى العربية تحت عنوان مقبرة قزحية للروح”- ومن أبرز دراستها الأدبية “رحلات فيروسية”، و”منطقة عمياء” والدراسة الشخصية “فلسطين في قطع”، والدراسة الشعرية “فلسطين مثلاً”. وقد حصلت لينا على جائزة “سور خوانا ايناس دي لاكروث” التي تكرِّم العمل الأدبي للنساء في الدول الناطقة بالإسبانية.

admin

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *